الخميس، يوليو ٢٨، ٢٠٠٥

روائح أيام الصبــا

تذكرني أيام صباي بروائح سادت ثم بادت. و تسرح بفكري نحو زمان الصفا ءو الوفاء .. و لكن أين اليوم اخوان الصفــا و أين تلكم الروائح العطرة التي كنا نستشمهــا يوميــا من الصدق و الوفاء و الأمانــة و الودّ و الخلوص .. فلكلٍ رائحــة لا نشم شيئا منهــا في زمن الكذب و الخيانة و الشنآن و البغضاء
أين نحن من تلك الأيام الجميلة البديعــة التي سادت ثم بادت
أتذكر رائحــة الخبز التنوري من البرّ الخالص تطحنها الوالدة ثم تعجنهــا و تطبخهــا في التنور الذي يشغل
حيزا خاصا في زاوية الحوش (فناء الدار ) أشم رائحة العجين و رائحة النار في التنور و من ثم رائحــة الخبز الحار المدمج بالسمسم تارة و بالحبة السوداء تارة أخرى من يد الوالدة رحمها الله . و كانت أحيانا تدهن الخبز بالدهن العداني الخالص و ترش عليها ذرات من السكر فنلتهمه التهاما للذته و لجوعنا
و لا زلت أشم رائحة زهر النارنج المزروع وسط الحوش كيف تعم الفناء و الدار و الأطراف بأحلى رائحة شممتها حتى كدت أعطس ( و أعطس فعلا ) من نفاذ رائحتها عطسات متتاليات و عندما أقول : الحمد لله رب العالمين ، تقول لي أختي الصغيرة : كل ما تكرر الحمد تزيد العطاس .. مو الله يقول : لئن شكرتم لأزيدنكم . و أضحك بملء فيّ على استدلالها اللطيف بصفاء القلب و في بداهة المعنى
و أشم رائحة الطبيخ و الحشو في ليالي محرم في ديوانيتنــا التي كانت عامرة و الحمد لله بذكر سيد الشهــداء عليه السلام و كنت مع أصدقاء لي في سني الطفولي نتحرك كالفراش هنا و هناك ، نناول هذا الملاس و ذاك الجِدر( القِدر) و آخر اللحم أو الرز ، و في مخيلتنا أننا بهذا المقدار نكسب أجرا في عزاء مولاي الحسين عليه السلام
يا للطفولة الصافية من خلوص و صفاء و يا لزماننا من مكر و خداع .. فحتى مجالس العزاء و بيوت الله لم تسلم من أبناء الدنيا الفانية حتى باتت - و للأسف - مراكز يُذكر فيها أسعار البورصة و الأسهم !!
دنيا+دنيا+دنيا = خسارة*خسارة*خسارة!! و يا للخسارة!نعم .. أزيلت تلك الروائح المجيدة التي كانت
نفحات روحانية تهب على سماء قلوبنا الصافية من كل زيغ و رين فتبقى بيضاء ناصعة نصوع الثلج على قمم الجبال في شتاء ريف قارس

ليست هناك تعليقات: